1137-عن عائشة رضي الله عنها أنها :«أصابها مرض، وأن بعض بني أخيها ذكروا شكواها لرجل من الزُّط يتطبب، وأنه قال لهم: إنهم لَيذكرون امرأة مسحورة، سحرتها جارية في حِجرها صبي، في حجر الجارية الآن صبي قد بال في حجرها. فقال: إيتوني بها، فأُتي بها، فقالت عائشة: سحرتيني؟. قالت: نعم، قالت: لم؟. قالت: أردتُ أن أُعتق -وكانت عائشة رضي الله عنها قد أعتقتها عن دُبر منها- فقالت: إن لله علي أن لا تُعتقين أبدا، انظروا شَرَّ البيوت مَلَكة فبيعوها منهم، ثم اشتروا بثمنها رقبة فأعتقوها».

الخبر إسناده صحيح.
الحكم على الحديث :

قال الحاكم :«حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه». [المستدرك على الصحيحين (4/ 244)]. وقال الهيثمي :«رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح». [مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (4/ 249)]. وصححه محققو المسند «24126». [مسند أحمد (40/ 154 ط الرسالة)]. والألباني «1757». [إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (6/ 177)].

لكن قال ابن حنيفة العابدين :«أثر عائشة -رضي الله تعالى عنها- وإن كان رجاله ثقات إلا أن فيه ما لا يُرتضى، وما لا يظن بأم المؤمنين قبوله والعمل عليه، ولعل مالكا إنما أسقطه بآخرة لهذا المعنى لا لمجرد معارضته لأثر حفصة، فإنه قد أثبت المتعارض في غير باب من المرفوع فكيف بالموقوف». [العجالة في شرح الرسالة (4/ 284)].

أحكام المحدثين :

رواه مالك «2782». [موطأ مالك – رواية أبي مصعب الزهري (2/ 422)]. وعبد الرزاق «19950». [مصنف عبد الرزاق (9/ 363 ط التأصيل الثانية)]. والحاكم «7516». [المستدرك على الصحيحين (4/ 244)]. ومن طريق مالك رواه البيهقي «20600». [معرفة السنن والآثار (14/ 427)]. والبغوي «3261». [شرح السنة للبغوي (12/ 188)]. عن أبي الرِّجال محمد بن عبد الرحمن، عن أمه عمرة، عن عائشة رضي الله عنها.. ورواه أحمد «24126». [مسند أحمد (40/ 154 ط الرسالة)]. عن سفيان واختلف فيه عليه، فعند أحمد حدثنا يحيى، عن ابن أخي عمرة – ولا أدري هذا أو غيره – عن عمرة.. ورواه عبد الرزاق عنه عن يحيى بن سعيد، عمن حدثه، عن عمرة.. [مصنف عبد الرزاق (8/ 457 ط التأصيل الثانية)]. ورواه مرة أخرى عنه عن يحيى بن سعيد، عن أبي الرجال، عن عمرة. [مصنف عبد الرزاق (9/ 363 ط التأصيل الثانية)]. وهو الصواب. والحديث إسناده صحيح. والحديث ورد مختصرا عند عبد الرزاق وأحمد، ومطولا عند غيرهما. وفي الموطأ :«قالت عمرة: فلبثت عائشة ما شاء الله من الزمان، ثم إنها رأت في النوم: اغتسلي من ثلاثةِ آبارٍ يمدُّ بعضُها بعضًا، فإنك تشفين. قالت عمرة: فدخل على عائشة إسماعيلُ بن عبد الله بن أبي بكر، وعبدُ الرحمن بن سعدِ بن زرارة، فذكرتْ لهما عائشةُ التي رأت، فانطلقا إلى قناةٍ، فوجدا آبارًا ثلاثًا يمدُّ بعضُها بعضًا، فاستقَيا من كلِّ بئرٍ منها ثلاثَ شُجبٍ، حتى ملؤوا الشُّجب من جميعهن، ثم أتَوا به عائشة، فاغتسلتْ به، فشُفيت». [موطأ مالك – رواية أبي مصعب الزهري (2/ 422)].

تخريج الحديث :

قولها (ذكروا شكواها لرجل من الزُّط) الزط جيل من الناس. واختلف فيهم، فقيل: ‌هم ‌السبابجة ‌قوم ‌من ‌السند بالبصرة. وقال القاضي عياض: هم جنس من السودان طوال. [تاج العروس من جواهر القاموس (19/ 322)]. وفي رواية «فدخل عليها سندي». [موطأ مالك – رواية أبي مصعب الزهري (2/ 422)].  ولا تعارض، فهو من الزط من أصل سندي. (يتطبب) يمارس الطب (ليذكرون امرأة مسحورة) لا يراد به السحر حقيقة وإنما هو بفعل أدوية ونحوه، وقد ورد صريحا :«‌فسأل ‌بنو ‌أخيها ‌طبيبا من الزط». [الأدب المفرد – ت عبد الباقي (ص68)]. فالطب: ‌السحر، استعير له من الطب الذي هو بمعنى الفطانة، لما فيه من دقة وخفاء. [تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (3/ 509)]. ويؤديه هذا أن عائشة لم تأمر بقتلها وباعتها،  قال الشافعي :«وأما بيع عائشة الجارية، ولم تأمر بقتلها فيشبه أن ‌تكون ‌لم ‌تعرف ‌ما ‌السحر ‌فباعتها لأن لها بيعها عندنا وإن لم تسحرها، ولو أقرت عند عائشة أن السحر شرك ما تركت قتلها إن لم تتب أو دفعتها إلى الإمام ليقتلها إن شاء الله تعالى». [الأم للإمام الشافعي (1/ 293 ط الفكر)]. والحديث ذكره الحاكم في كتاب الطب. وحتى على القول أنها سحرتها حقيقة فلا إشكال.

فإن قيل كيف عرف أنها مسحورة؟.  قلنا: علمه بعلامات، وهذا لا إشكال فيه، فللسحر والحسد والعين علامات يعرفها المتمرس. (سحرتها جارية في حجرها صبي، في حجر الجارية الآن صبي قد بال في حجرها) وهذا محل الإشكال، فيكف علم أن الجارية تلك هي الفاعلة وعلم أن في حجرها صبي!. اختلف في السبب على قولين :
القول الأول : أن الرجل كاهن، قال ابن رشد :«وإن الذي ‌سحرها ‌جارية ‌في ‌حجرها ‌صبي وقد بال من ناحية الكهانة، والكاهن قد يصيب في يسير من كثير بما يلقيه إليه وليه من الجن فيما استرق من السمع فيخلط إليها مائة كذبة على ما جاء من ذلك في الحديث. [البيان والتحصيل (15/ 154)]. وعلى قوله لا يشكل،  فلم يرد في الحديث أن أمنا عائشة صدقته، ولا أنها أتته، ففي رواية :«فذهب بنو أخيها إلى رجل فذكروا مرضها». [مصنف عبد الرزاق (8/ 457 ط التأصيل الثانية)]. وفي رواية :«فذهب بنو أخيها يسألونه عن وجعها». [مسند أحمد (40/ 154 ط الرسالة)]. وفي آخرى :«ذكروا شكواها لرجل من الزط يتطيب». [السنن الكبرى – البيهقي (8/ 236 ط العلمية)].  لكن في الروايات الأخرى أنه دخل عليها، ويمكن الجمع بأنهم ذهبوا إليه وأتى معهم. 

القول الثاني : أن الرجل قال ذلك تخمينا، قال ابن عبد البر :«وفيه أنَّ الغيبَ تُدرَكُ منه أشياءُ بدروبٍ من التعليم، فسبحانَ من عِلْمُه بلا تَعَلُّم، ومن يعلَمُ الغيبَ حقيقةً، لا كما يعلَمُه من يخطئُ مرةً ويصيبُ أُخرى تخرُّصًا وتظنُّنًا». [الاستذكار (8/ 159)]. وهذا الذي ينبغي المصير إليه، فلا يتصور أن أمنا عائشة لم تنكر عليه وهو كاهن، ويزيد هذا يقينا أنها سألت الجارية ولم تعتمد قوله، وأنها لم تنكر عليه فلو كان كاهنا لانكرت.

قولها (قد أعتقتها عن دُبر منها). معنى أعتقه عن دبر أي دبره فقال له ‌أنت ‌حر ‌بعد ‌موتي وسمي هذا تدبيرا لأنه يحصل العتق فيه في دبر الحياة. [شرح النووي على مسلم (11/ 141)].

شرح مشكل الحديث:
Facebook
X
Telegram
WhatsApp
Threads