581-عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت :«أول ما بدئ به رسول الله ﷺ من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، فكان يأتي حراء فيتحنث فيه، وهو التعبد، الليالي ذوات العدد، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فتزوده لمثلها، حتى فجئه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فيه، فقال: اقرأ، فقال له النبي ﷺ: فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: {اقرأ باسم ربك الذي خلق} حتى بلغ {ما لم يعلم} فرجع بها ترجف بوادره، حتى دخل على خديجة، فقال: زملوني زملوني. فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال: يا خديجة، ما لي. وأخبرها الخبر، وقال: قد خشيت على نفسي. فقالت له: كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وهو ابن عم خديجة أخو أبيها، وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، فيكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: أي ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال ورقة: ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره النبي ﷺ ما رأى، فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى، يا ليتني فيها جذعا، أكون حيا حين يخرجك قومك. فقال رسول الله ﷺ: أومخرجي هم فقال ورقة: نعم، لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي صﷺ، فيما بلغنا، حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رؤوس ‌شواهق ‌الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدى له جبريل، فقال: يا محمد، إنك رسول الله حقا. فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه، فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك».

صحيح دون قوله (حتى حزن النبي ﷺ فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رءوس شواهق الجبال..).
الحكم على الحديث :

قوله (حتى حزن النبي ﷺ فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رءوس شواهق الجبال..). قال ابن حجر:«القائل فيما بلغنا هو الزهري، ومعنى الكلام أن في جملة ما وصل إلينا من خبر رسول الله ﷺ في هذه القصة هو من ‌بلاغات ‌الزهري ‌وليس ‌موصولا». [فتح الباري لابن حجر (12/ 359 ط السلفية)]. وضعف هذه الزيادة الألباني[سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (3/ 162)]. وفي كتابه[دفاع عن الحديث النبوي (ص41)]. وقال بأو شهبة:«وهذه الرواية ليست على شرط الصحيح لأنها من البلاغات، وهي من قبيل المنقطع، والمنقطع من أنواع الضعيف، والبخاري لا يخرج إلا الأحاديث المسندة المتصلة برواية العدول الضابطين، ولعل البخاري ذكرها لينبهنا إلى مخالفتها لما صح عنده من حديث بدء الوحي، الذي لم تذكر فيه هذه الزيادة». [السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة (1/ 265)]. وقال محققو السير :«مرسل». [سير أعلام النبلاء – ط الحديث (1/ 195)]. وقال ضياء الرحمن:«من بلاغات الزهري غير موصول». [الجامع الكامل في الحديث الصحيح الشامل المرتب على أبواب الفقه (1/ 113)]. وقال محققو المسند:«إسناده صحيح على شرط الشيخين. دون قوله: حتى حزن رسول الله ﷺ -فيما بلغنا- حزنا.. فهو بلاغات الزهري، وهي واهية». [مسند أحمد (43/ 114 ط الرسالة)].

أحكام المحدثين :

الحديث رواه البخاري في مواطن، أما قوله :(حتى حزن النبي ﷺ فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رءوس شواهق الجبال..). فرواه عبد الرزاق «10554». [مصنف عبد الرزاق (6/ 10 ط التأصيل الثانية)]. ومن طريقه أحمد «25959». [مسند أحمد (43/ 112 ط الرسالة)]. والبخاري «6982». [صحيح البخاري (9/ 29 ط السلطانية)]. عن معمر، عن ‌الزهري قال : .. فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رؤوس ‌شواهق ‌الجبال..». [صحيح البخاري (9/ 30 ط السلطانية)]. فتبين أن هذا الخبر من كلام الزهري أو معمر، وكلاهما لم يدرك النبي ﷺ، فالخبر  غير متصل وليس على شرط البخاري، وقوله (بلغنا) هذا معروف في علم الحديث بـ(البلاغات) وقد أكثر منها مالك في موطئه، فمن شروط البخاري أن يكون الحديث متصلا مسندا، هذا موضوع الكتاب، بينما الخبر ليس بمتصل مسند.

تخريج الحديث :

ذكر محاولة انتحار النبي ﷺ لم يصح، لكن يبقى إشكال إيراد البخاري له في صحيحه!.

البخاري رحمه الله ذكر الحديث لبيان ضعفه، وذلك لأنه ذكره  في مواضع من صحيحه دون ذكر هم النبي ﷺ بالتردي، فقد ذكر الحديث في «بدء الوحي». [صحيح البخاري (1/ 6 ط السلطانية)]. وفي «كتاب أحاديث الأنبياء». [صحيح البخاري (4/ 131 ط السلطانية)]. وذكره في أبواب كثيرة من «كتاب التفسير». [صحيح البخاري (6/ 16 ط السلطانية)].  ولم يذكر هم النبي ﷺ بالانتحار.

وإنما ذكر ذلك في «كتاب التعبير». [صحيح البخاري (9/ 29 ط السلطانية)] عرضا، فالبخاري قد يورد أخبارا ليست على شرطه من أجل أن ينبه على ضعفها، ومن لم يمارس مناهج المحدثين لم يفهم مرادهم. إذا لم يتعرض الدارقطني الذي تتبع أحاديث البخاري لهذا النوع، لأنه خارج عن موضوع الكتاب.

شرح مشكل الحديث:
Facebook
X
Telegram
WhatsApp
Threads