808-عن سلمة بن يزيد الجعفي، قال :«ذهبت أنا وأخي، إلى رسول الله ﷺ، قلت: يا رسول الله، إن أمنا كانت في الجاهلية تقري الضيف، وتصل الرحم، هل ينفعها عملها ذلك شيئا؟، قال: لا. قال: فإنها وأدت أختا لها في الجاهلية ‌لم ‌تبلغ ‌الحنث؟. فقال رسول الله ﷺ: الموءودة والوائدة في النار، إلا أن تدرك الوائدة الإسلام».

صحيح الإسناد.
الحكم على الحديث :

صحح إسناده ابن عبد البر [التمهيد – ابن عبد البر (11/ 382 ت بشار)]. والسبكي [فتاوى السبكي (2/ 363)]. وقال ابن القيم :«وهذا إسناد لا بأس به». [طريق الهجرتين وباب السعادتين (2/ 849)]. وقال ابن كثير :«وهذا إسناد حسن». [تفسير ابن كثير – ط ابن الجوزي (5/ 57)]. وصححه ابن حجر الهيثمي [الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيثمي (ص78)].  وقال الهيثمي:«رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح». [مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1/ 119)]. وقال الوادعي «رجاله رجال الصحيح». [الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (6/ 207)]. وصححه الألباني «7142». [صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 1200)]. والحويني «176». [المنيحة بسلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ 214)].

لكن أعله ابن الوزير [العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (7/ 250)]. وضعف ابن حزم لفظة :«لم تبلغ الحنث». [الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 62)]. وقال الغماري :«مضطرب جدا». [المداوي لعلل الجامع الصغير وشرحي المناوي (6/ 524)]. وحكم على متنه بالنكارة  محققو «15923». [مسند أحمد (25/ 268 ط الرسالة)]. وضياء الرحمن. [الجامع الكامل في الحديث الصحيح الشامل المرتب على أبواب الفقه (1/ 774)].

أحكام المحدثين :

رواه أحمد «15923». [مسند أحمد (25/ 268 ط الرسالة)]. وابن أبي عاصم «2474». [الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم (4/ 421)].  والنسائي «11585». [السنن الكبرى – النسائي – ط الرسالة (10/ 325)].  من طرق عن داود، عن الشعبي، عن علقمة بن قيس، عن سلمة بن يزيد الجعفي.. إسناد الحديث صحيح.

وقد ضعف ابن حزم زيادة (‌لم ‌تبلغ ‌الحنث). وذلك لأنه روى هذا الحديث عن داود بن أبي هند محمد بن عدي وليس هو دون المعتمر ولم يذكر فيه لم تبلغ الحنث ورواه أيضا عن داود بن أبي عبيدة بن حميد فلم يذكر هذه اللفظة التي ذكرها المعتمر. [الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 62)].

والحقيقة أن المعتمر [السنن الكبرى – النسائي – ط الرسالة (10/ 325)] لم يتفرد بتلك الزيادة، بل تابعه عليها عبيدة بن حميد. [الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم (4/ 421)]. ثم لا يجوز أن ينسب إلى رسول الله ﷺ أنه سئل عن موءودة لم تبلغ الحنث، فأجاب عمن بلغت الحنث، بل إنما خرج جوابه ﷺ لنفس ما سئل عنه. فكيف ينسب إليه أنه ترك الجواب عما سئل عنه، وأجاب عما لم يسأل عنه موهما أنه المسؤول عنه، ولم يبينه للسائل؟! هذا لا يظن برسول الله ﷺ أصلا. [أحكام أهل الذمة – ط عطاءات العلم (2/ 242)].

والحديث أعله ابن الوزير بسلمة بن يزيد وقال أنه ارتد عن إسلامه هو وأخوه لأمه قيس بن سلمة بن شراحيل، وهما ابنا مليكة بنت الحلوى. [العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (7/ 250)]. 

وقول ابن الوزير مردود، فخبر ردتهما رواه ابن سعد :«أخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه وعن أبي بكر بن قيس الجعفي قالا: كانت جعفى يحرمون القلب في الجاهلية، فوفد إلى رسول الله، ﷺ، رجلان منهم قيس بن سلمة بن شراحيل من بني مران بن جعفي، وسلمة بن يزيد من مشجعة بن مجمع من بني الحريم بن جعفي، وهما أخوان لأم، وأمهما مليكة بنت الحلو بن مالك من بني حريم بن جعفي، فأسلما، فقال لهما رسول الله، ﷺ، بلغني أنكم لا تأكلون القلب. قالا: نعم، قال: فإنه لا يكمل إسلامكما إلا بأكله. ودعا لهما بقلب فشوى، ثم ناوله يزيد بن سلمة، فلما أخذه أرعدت يده، فقال له رسول الله، ﷺ: كله فأكله وقال:

على أني أكلت القلب كرها … وترعد حين مسته بناني

قال: وكتب رسول الله، ﷺ، لقيس بن سلمة كتابا نسخته:

من محمد رسول الله لقيس بن سلمة بن شراحيل، إني استعملتك على مران ومواليها، وحريم ومواليها، والكلاب ومواليها، من أقام منهم الصلاة وآتى الزكاة وصدق ماله وصفاه. قال: والكلاب أود وزبيد، وحريم سعد العشيرة وزيد الله بن سعد وعائذ الله بن سعد وبنو صلاة من بني الحارث بن كعب. قال: ثم قالا: يا رسول الله، إن أمنا مليكة بنت الحلو كانت تفك العاني وتطعم البائس وترحم الفقير، وأنها ماتت وقد وأدت بنية لها صغيرة، فما حالها؟ فقال: الوائدة والموءودة في النار. فقاما مغضبين، فقال: إلي فارجعا؟ فقال: وأمي مع أمكما، فأبيا ومضيا وهما يقولان: والله إن رجلا أطعمنا القلب، وزعم أن أمنا في النار لأهل ألا يتبع وذهبا، فلما كانا في بعض الطريق لقيا رجلا من أصحاب رسول الله، ﷺ، معه إبل من إبل الصدقة فأوثقاه واطردا الإبل، فبلغ ذلك النبي، ﷺ، فلعنهما فيمن كان يلعن في قوله: لعن الله رعلا وذكوان وعصية ولحيان وابني مليكة من حريم ومران». [الطبقات الكبير (6/ 266 ط الخانجي)].

وإسناده باطل، فهشام بن محمد بن السائب متروك الحديث.

تخريج الحديث :

الحديث صحيح الإسناد، لكنه يخالف قول ربنا :﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ‌ذَنْبٍ ‌قُتِلَتْ ﴾ [التكوير: 8-9].  فلا شك أن الموؤودة لا ذنب لها في ذلك، ولا تعاقب كذلك،  فيبقى متن الحديث، وقد أجاب العلماء عنه بأن تلك الوائدة والموءودة اللتين سئل عنهما، لا إخبار عن كل وائدة وموؤودة، فبعض هذا الجنس في النار، وقد يكون هذا الشخص من الجنس الذي في النار. فيكون الحديث خاصا. [أحكام أهل الذمة – ط عطاءات العلم (2/ 243)].  وهذا لأن الله جل شأنه يعلم حال كل مخلوق وما سيكون عليه لو بقي، فهي  لو كبرت لكفرت، وهذا ممكن كما ورد في قول ربنا :﴿وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) ﴾ [الكهف: 80-82]. فهو قبل أن يرهقهما طغيانا وكفرا قتله الخضر، لعلم الله بحاله قدرا. لكن يشكل على هذا قوله (إلا أن تدرك الوائدة الإسلام). فلو كان يقصد هذه الحالة الخاصة، فحتى المؤودة يعلم حالها قدرا، فلم لم يذكره؟. إلا إن قيل أنه أوحي إليه في الموؤودة ولم يوح له في الوائدة فعاملها بظاهر الحال.

 ويقال أيضا أن ‌الوائدة ‌القابلة، والموؤودة الأم، أي الموؤودة لها. [بذل المجهود في حل سنن أبي داود (13/ 135)]. فحذفت الصلة، إذ كان من ديدنهم أن المرأة إذا أخذها الطلق حفر لها حفرة عميقة، فجلست عليها، والقابلة وراءها تترقبالولد، فإن ولدت ذكرا أمسكت، وإن ولدت أنثى ألقتها في تلك الحفرة، وأهالت عليها التراب. [تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 110)]. لكن يشكل على هذا المعنى ما جاء في الحديث :(إلا أن تدرك الوائدة الإسلام). فخص الوائدة بالذكر دون الموؤودة، فهذه الأخير لو أدركت الإسلام  لعُفي عنها أيضا لأن الإسلام يجب ما قبله. إلا أن يقال كما قيل في الجواب الأول، أنه أوحي إليه في الموؤودة ولم يوح له في الوائدة.

فحاصل المعنى أن هذا الحديث يتحدث عن أشخاص بأعيانهم، عن أمهم وأختهم ولا يعمم الحديث، وأن الموؤودة أوحي إليه أنها في النار، لأن الله يعلم قدرا حالها حتى لو بقيت حية، وأما الوائدة فلم يوح له فيها. سواء قلنا أن المراد هو الجواب الأول أو الثاني.

 

شرح مشكل الحديث:
Facebook
X
Telegram
WhatsApp
Threads