933-عن مالك بن دينار قال :«بينا أنا أطوف بالبيت الحرام، وقد أعجبني كثرة الحاج والمعتمرين، فقلت: ياليت شعري من المقبول منهم فأهنيه، ومن المردود منهم فأعزيه، فلما كان الليل أريت في منامي كأن قائلا، يقول: مالك بن دينار تتفكر في الحجاج والمعتمرين، قد والله غفر الله للقوم أجمعين الصغير والكبير، والذكر والأنثى، الأسود والأبيض، العربي والأعجمي، ما خلا رجلا واحدا، فإن الله تعالى عليه غضبان، وقد رد عليه حجه، وضرب به وجهه. قال مالك: فنمت بليلة لا يعلمها إلا الله جل وعز، وخشيت أن أكون أنا ذلك الرجل، فلما كان في الليلة الثانية، رأيت في منامي مثل ذلك، غير أنه قيل لي، ولست ذلك الرجل، بل هو رجل من أهل خراسان من مدينة تدعى بلخ، يقال له: محمد بن هارون البلخي: الله عليه غضبان، وقد رد عليه حجه، وضرب به وجهه، فلما أصبحت أتيت قبائل أهل خراسان، فقلت: أفيكم البلخيون؟ قالوا: نعم. فأتيتهم، فسلمت، وقلت: أفيكم رجل، يقال له: محمد بن هارون، قالوا: بخ بخ يا مالك، تسأل عن رجل ليس بخراسان أعبد، ولا أزهد، ولا أقرأ منه، فعجبت من جميل الثناء عليه، وما رأيت في منامي، فقلت: أرشدوني إليه، فقالوا: إنه منذ أربعين سنة يصوم النهار، ويقوم الليل، ولا يأوي إلا الخراب نظنه في خراب مكة، فجعلت أجول في الخرابات، وإذا به قائم خلف جدار، وإذا يده اليمنى مقطوعة معلقة في عنقه، وقد نقب ترقوته، وشدها إلى قيدين غليظين في قدمه وهو راكع وساجد، فلما أحس بهمس قدمي انفتل، وقال: من تكون؟ قلت: مالك بن دينار. قال: يا مالك، فماذا جاء بك إلي، رأيت رؤيا؟ اقصصها علي، قلت: استحي أن أستقبلك بها، قال: لا تستحي. فقصصتها عليه، فبكى طويلا، وقال: يا مالك، هذه الرؤيا ترى لي منذ أربعين سنة، يراها في كل سنة رجل زاهد مثلك، إني من أهل النار. قلت: بينك وبين الله ذنب عظيم؟ قال: نعم، ذنبي أعظم من السماوات، والأرض، والجبال، والعرش، والكرسي. قلت: حدثني أحذر الناس لا يعملون به، قال: يا مالك، كنت رجلا أكثر شرب هذا المسكر، فشربت يوما عند خدن لي، حتى إذا ثملت وزال عقلي أتيت منزلي، فدخلت، فإذا والدتي تحصب تنورا لنا قد أبيض جوفه، فلما رأتني أتمايل بسكري، أقبلت تعظني، تقول: هذا آخر يوم من شعبان، وأول ليلة من رمضان يصبح الناس غدا صواما، وتصبح أنت سكرانا، أما تستحي الله؟ فرفعت يدي، فلكزتها، فقالت: تعست؟ فغضبت من قولها، فحملتها بسكري، فرميت بها في التنور، فما رأتني امرأتي حملتني، فأدخلتني بيتا، وأجافت الباب في وجهي، فلما كان آخر الليل، وذهب سكري، دعوت زوجتي لتفتح الباب، فأجابتني بجواب فيه جفاء، فقلت: وبك ما هذا الجفاء الذي لم أعرفه منك؟ قالت: تستأهل أن لا أرحمك. قلت: ولم؟ قالت: قد قتلت أمك، رميت بها في التنور، فقد احترقت، فلما سمعت ذلك لم أتمالك أن قلعت الباب، وخرجت إلى التنور، فإذا هي فيه كالرغيف المحترق، فالتفت، فإذا قدوم، فوضعت يدي على عتبة الباب، فقطعتها بيدي الشمال، ونقبت ترقوتي، فأدخلت فيها السلسلة، وقيدت قدمي بهذين القيدين، وكان ملكي ثمانية آلاف دينار، فتصدقت بها قبل مغيب الشمس، وأعتقت ستا وعشرين جارية، وثلاثة وعشرين عبدا، ووقفت ضياعي في سبيل الله، وأنا منذ أربعين سنة أصوم النهار، وأقوم الليل لا أفطر إلا على قبضة حمص، وأحج البيت في كل سنة، ويرى لي في كل سنة رجل عالم مثلك مثل هذه الرؤيا، وإني من أهل النار. قال مالك: فنفضت يدي في وجهي، وقلت: يا مشئوم، كدت تحرق الأرض ومن عليها بنارك، وغبت عنه بحيث أسمع حسه، ولا أرى شخصه. فرفع يده إلى السماء، وجعل يقول: يا فارج الهم، وكاشف الغم، مجيب دعوة المضطرين، أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، لا تقطع رجائي، ولا تخيب دعائي. قال مالك: فأتيت منزلي، فنمت، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في منامي، يقول: يا مالك، لا تقنط الناس من رحمة الله، ولا تؤيسهم من عفوه، إن الله قد اطلع من الملأ الأعلى على محمد بن هارون فاستجاب دعوته، وأقاله عثرته، اغد إليه، فقل له: إن الله يجمع الأولين والأخرين يوم القيامة، وينتصر للجماء من القرناء، ويجمع بينك يا محمد بن هارون وبين أمك، فيحكم لها عليك، ويأمر الملائكة، فيقودونك بسلاسل غلاظ إلى النار، فإذا وجدت طعمها بمقدار ثلاثة أيام من أيام الدنيا ولياليها، آليت على نفسي لا يشرب المسكر عبد من عبيدي، ويقتل النفس التي حرمت، إلا أذقته طعم النار، ولو كان خليلي إبراهيم، ثم أطرح في قلب أمك الرحمة، فألهمها أن تستوهبك مني، فأهبك لها فتدخلان الجنة. فلما أصبحت غدوت إليه، فأخبرته برؤياي، فكأنما كانت حياته حصاة طرحت في طست ماء، فمات، فكنت فيمن صلى عليه».