1183-عن مَكْحُولٍ أنَّ رجلًا سأل أبا الدَّرْداءِ عن صيامِ رجبٍ؟. فقال :«سألتَ عن شهرٍ كانتِ الجاهليَّةُ تُعظِّمُه في جاهليَّتِها، وما زادَه الإسلامُ إلَّا فضلًا وتعظيمًا؛ فمن صام فيه يومًا تطوُّعًا، يحتسبُ به ثوابَ اللهِ عزَّ وجلَّ، ويبتغي به وجهَه مُخلِصًا، أطفأ صومُه ذلك اليومِ غضبَ الله، وأُغلِقَ عنه بابٌ من أبوابِ جهنَّم، ولو أُعطي مِلءَ الأرضِ ذهبًا ما كان ذلك جزاءً له، ولا يُستكملُ أجرُه شيءٌ من الدنيا دونَ يومِ الحساب. وله إذا أمسى عشرُ دعواتٍ مُستجابات؛ فإن دعا بشيءٍ من عاجلِ الدنيا أُعطيَه، وإلَّا أُرضيَ له من الخير أفضلُ دعاءٍ دعاه داعٍ من أولياءِ اللهِ عزَّ وجلَّ وأحبَّائِه وأصفيائِه. ومن صام يومين كان له مثلُ ذلك، وله مع ذلك ثوابُ عشرةٍ من الصِّدِّيقين في عُمرِهم، بالغةً أعمارُهم ما بلغت، ويشفع في مثلِ ما يشفعون فيه، ويكون في زُمرتِهم حتى يدخلَ الجنَّةَ معهم، ويكونَ من رفقائِهم. ومن صام ثلاثةَ أيَّامٍ كان له مثلُ ذلك، وقال اللهُ له عند إفطارِه: لقد وجب حقُّ عبدي هذا، ووجبت له محبَّتي وولايتي؛ أشهدُكم يا ملائكتي أنِّي قد غفرتُ له ما تقدَّم من ذنبِه وما تأخَّر. ومن صام أربعةَ أيَّامٍ كان له مثلُ ذلك، ومثلُ ثوابِ أولي الألبابِ التوَّابين، ويُعطى كتابَه في أوَّلِ الفائزين. ومن صام خمسةَ أيَّامٍ كان له مثلُ ذلك، ويُبعث يومَ القيامةِ ووجهُه مثلُ القمرِ ليلةَ البدر، ويُكتب له عددُ رملِ عالجٍ حسنات، ويدخلُ الجنَّةَ، ويُقال له: تمنَّ على اللهِ ما شئت. ومن صام ستَّةَ أيَّامٍ كان له مثلُ ذلك، ويُعطى سوى ذلك نورًا يستضيءُ به أهلُ الجمعِ يومَ القيامة، ويُبعث في الآمنين حتى يمرَّ على الصِّراطِ بغيرِ حساب، ويُعافى من عقوقِ الوالدين وقطيعةِ الرَّحم، ويقبلُ اللهُ عليه بوجهِه إذا لقيَه يومَ القيامة. ومن صام سبعةَ أيَّامٍ كان له مثلُ ذلك، وتُغلَقُ عنه سبعةُ أبوابِ الجحيم، وحرَّمه اللهُ على النار، وأوجبَ له الجنَّةَ يتبوَّأُ منها حيثُ يشاء. ومن صام ثمانيةَ أيَّامٍ كان له مثلُ ذلك، وفُتحت له ثمانيةُ أبوابِ الجنَّة يدخلُ من أيِّها شاء. ومن صام تسعةَ أيَّامٍ كان له مثلُ ذلك، ورُفع كتابُه في عليِّين، ويُبعث يومَ القيامةِ في الآمنين، ويخرجُ من قبرِه ووجهُه نورٌ يتلألأ، يشرقُ لأهلِ الجمع، يقولون: هذا نبيٌّ مصطفى، وإن أدنى ما يُعطى أن يدخلَ الجنَّةَ بغيرِ حساب. ومن صام عشرةَ أيَّامٍ فبَخٍ بَخٍ بَخٍ له مثلُ ذلك، وعشرةُ أضعاف، وهو ممَّن يُبدِّلُ اللهُ سيِّئاتِه حسنات، ويكونُ من المقرَّبين القوَّامين للهِ بالقسط، كمن عبد ألفَ سنةٍ قائمًا صائمًا صابرًا محتسبًا. ومن صام عشرين يومًا كان له مثلُ ذلك، وعشرون ضعفًا، وهو ممَّن يزاحمُ إبراهيمَ خليلَ اللهِ في قبَّتِه، ويشفعُ في مثلِ ربيعةَ ومضر، كلُّهم من أهلِ الخطايا والذنوب. ومن صام ثلاثين يومًا كان له مثلُ ذلك، وثلاثون ضعفًا، ونادى منادٍ في السَّماء: أبشر يا وليَّ اللهِ بالكرامةِ العظمى، النَّظرِ إلى وجهِ اللهِ الكريمِ عزَّ وجلَّ، في مرافقةِ النبيِّين والصِّدِّيقين والشُّهداءِ والصَّالحين، وحَسُنَ أولئك رفيقًا، طوبى لك طوبى لك طوبى لك ثلاثَ مرَّات، غدًا إذا كُشف الغطاءُ فأفضيتَ إليَّ جسيمَ ثوابِ ربِّك. فإذا نزل به الموتُ سقاه اللهُ عند خروجِ نفسِه شربةً من حياضِ الفردوس، ويهوِّنُ عليه سكرةَ الموت حتى ما يجدُ للموتِ ألمًا، فيظلُّ في قبرِه ريَّانَ حتى يردَ حوضَ محمدٍ ﷺ، فإذا خرج من قبرِه يلقاه سبعون ألفَ ملكٍ، معهم نجائبُ من الدُّرِّ والياقوت، ومعهم طرائفُ الحُليِّ والحُلَل، فيقولون له: يا وليَّ اللهِ، المُنجى إلى ربِّك الذي أظمأتَ له نهارَك، وأنحلتَ له جسمَك، فهو أوَّلُ الناسِ دخولًا جنَّاتِ عدنٍ يومَ القيامةِ مع الفائزين الذين رضيَ اللهُ عنهم ورضوا عنه، ذلك هو الفوزُ العظيم. قال: فإن كان له في كلِّ يومٍ يصومُه صدقةٌ على قدرِ قوتِه يتصدَّقُ بها، فهيات هيهات هيهات ثلاثًا، لو اجتمع جميعُ الخلائق على أن يقدِّروا قدرَ ما أُعطي ذلك العبدُ من الثواب ما بلغوا معشارَ العُشر ممَّا أُعطي ذلك العبدُ من الثواب».